محمّد مهدی الجواهری کشاعر صادق یـریـنا حقیـقة تاریـخ العراق الحدیـث شفّافة. ذلک الرّجل الّذی اکتظّت حیـاته بالأحداث الخطیـرة المسیـطرة على المجتمع العراق، وقع الشّاعر فی بطنها وتمرّد علیـها طیـلة عمره الطّویـل وانعکست هذه السّلطات کلّها فی قصائده المثیـرة.
إنّ الجواهریّ عاش فی طفولته تحت سلطة والده العنیـفة یـرسم له ما یـریـده، ووقع منذ شبابه فی بحبوحة سلطة السّیـاسة العثمانیـّة والملکیـّة والاستعماریـّة، کما أنّه یـعانی التّقالیـد الموروثة الحاکمة على المجتمع، الّتی تقیـم النّاس فی التخلّف الثقافـی والمعرفـی، ویـنتقد من أدعیـاء الدّیـن الّذیـن یـستغلّون الفقراء ویـضغطون علیـهم باسم الدّیـن.
أمّا الّذی بعثنی إلى القیام بهذه الدّراسة هو أنّ الباحثیـن حصروا حیـاة الجواهری بیـن ثلاث سلطات، أی سلطة السّیـاسة، سلطة التّقالیـد الموروثة وسلطة أدعیـاء الدّیـن. ووقعوا فی غفلة عن رأس السّلطات الثّلاث، أی سلطة الوالد. إن کان الجواهری متمرّداً على السّلطات الثّلاث رافضاً أصحابها، فجذور هذا التمرّد والرفّض ضاربة فی مرحلة طفولته التّی مرّت تحت ظلّ سلطة أبیـه العنیـفة. ولم یـقف أمام هذه السّلطات مکتوف الیـدیـن إلاّ عند السّلطة الأبویـّة لا یـقدر على شیء باعتبار طفولته؛ أمّا بالنّسبة للسّلطات الثّلاث فلم یـثُر معارضاً علیـها بکلّ إمکانیـّاته فحسب، بل اتخّذ قبالها موقفاً إصلاحیـّاً، تنویـریـّاً وتقدّمیـّاً.