إن المقامة کلام منثور مسجع ومکلف یشمل حکایات قصیرة مقرونة بالنکت الأدبیة أو اللغویة. وتعتبر کإحدى الفنون الأدبیة الهامة والمؤثرة فی الأدب العربی ویتفق جمیع الأدباء على أن بدیع الزمان مبدع هذا الفن. وهناک خلافات کثیرة حول کیفیة ظهور المقامات والأسباب المؤثرة فیها وقد ذکروا عدة أسباب لظهور هذا الفن منذ القدیم، منها تعلیم اللغة والأدب للناشئة، والنقد الاجتماعی. فبعضهم یرون أن إحدى الأسباب المؤثرة فی ظهور المقامات هی شیوع الکدیة والاستجداء، فأراد بدیع الزمان أن ینتقد ظروف دهره فأبدع المقامات وعبر عنها عن طریق قصصه. ونحن فی هذا المقال نرید أن نتطرق إلى دور أبی دلف فی ظهور المقامات البدیعیة ومدى تشابهه ببطلها. کما نعرف أن أبا دلف کان من فرقة بنی ساسان وهم الذین یعرفون بالاستجداء والکدیة، ولکنهم کانوا أهل الأدب ومن الظرفاء ولهم حیلهم للکدیة. فبطل مقاماته شخص أدیب عالم ظریف ولکنه مخادع محتال یجوب فی الأرض ویکتسب بأنواع حیله وأدبه. وهناک أدیب شاعر باسم أبی دلف الذی له الخصائص التی نجدها فی أبی الفتح، بطل المقامات البدیعیة، مثل کونهما أدیبا وعالما وسیاحا، واستجدائهما بحیلهم وبأدبهم. وکان بینه وبین بدیع الزمان مصادقة فعرفه البدیع وجعله نموذجا حیا لخلق بطله فیُعتبر کإحدى الأسباب المؤثرة علیه لإبداع هذا الفن. ویمکن لنا أن نقول أن أبا دلف أثر فی ظهور المقامات.